حزن في الإبتسام
عندما يرحل رجلٌ وفيٌ، مُخلصٌ، في حجم ومكانة " المرحوم أبو أحمد " فإن ذلك يترك في النفس غًصّة بالغة الحِدّة بالرغم من الإيمان بقضاء الله وقدره، وليس بالكثير أن يُخيِّم الحزن على أم الحمام بأكملها وبالخصوص " نادي الإبتسام " الذي طالما آنسهُ بإخلاصه ونشاطه وتفانيه في خدمة شباب بلدته الطيبين.
إنني أعي جيداً بأن حديث الأصدقاء عن بعضهم ليس مُستحباً وفقاً " لعلم الرجال" لأنه يتداخل مع الهوى، وبالتالي سيكون فاقداً للموضوعية، ولكنني لا أتحدث عنه هنا كصديق تاريخي سأظل أتجرع المرارة من كأس فراقه لزمن غير قليل كبقية " كتيبة أبو عزيز" وأهله وأحبابه الكُثر، إنني أتناول هذا المخلص في أخلاقه، وتعامله الجم، وحبه لمن حوله ورعايته لهم، كمراقب من خارج دائرة المشاعر الشخصية وضغط السنين.
أتحدثُ هنا عن إنسان ترجم كل معاني الإنسانية في تواصله مع إخوانه اللاعبين في لحظات الفرح، وفي أوقات الشدّة، كان له الفعل الساحر في لمِّ الشمل، وتوحيد الكلمة، وشحذ الهمم، وتبديد اليأس، وزرع الأمل، كان بشهادة الجميع عند مستوى المسئولية في كافة الظروف والأحوال، وحتى وإن اختلف في الرأي مع الآخرين تجده المبادر للسلام قبل الكلام، وللترحيب دون تقطيب، ولتبديد سُحب الصيف بدفعها بالإحسان.
ما أروعك أيها المستسلم الآن بأمان بين أيادي خالق كريم، ورؤوف رحيم، تحفك العترة الطاهرة، والكواكب السائرة، تركت لنا الذكرى الطيبة، والسمعة الحسنة، والرائحة العبقة، وتلك هي عمرٌ ثاني لك حسبي، لن يفنى ولن يندثر بتقادم الأيام وانخراط الزمن، ما أروعك أيها الرجل الذي لبيّت الواجب فأورق البُستانُ مخضوضراً يسر الناظرين، وزرعت الدروب بالإقحوان فاستقرت" طائرة الإبتسام " بعزم الشباب، وصبر الرِّكاب، على مدرج الحضور هناك تحت الأضواء الكاشفة، والمكانة النايفة.
مرحلةٌ ناصعةٌ أنت بذاتها رغم قصر المسيرة، وعزيمةٌ ثابتةٌ أنت بدلالاتها الكبيرة، حملت على عاتقك المسئولية بضمير، فارتدّ إليك الوفاءُ في لحظة الوداع، كنت سخياً في عطائك المفعم بالمودة والأخوة الصادقة، فأثمر العطاءُ سنابل خير على قبرك المنير بالولاء. سموت بالنفوس بنفسك الوضاءة في عتمة الطريق، فإذا بالمستحيل بات ممكناً، وبالمُستعصيَ أمسى مُطيعا، تأكد بأننا نعوم في حزن فراقك القاسي، ولكن كن على يقين بأن ذلك لن يفقدنا الصواب إليك.