المرشد الأمين لسلوك الأقرع المكين


خبر صغير على هامش حدث كبير، هو تبرع الأسباني جوارديولا، مدرب مانشيستر سيتي الحائز على بطولة دوري الأبطال لهذا العام، بمكافأة البطولة لصالح العاملين في النادي ممن يعملون في الكواليس، ولهم فضل في هذا النجاح.. قيمة المكافأة تعادل المليون دولار، ولعلها لا تعادل شيئا في مجموعة ثروة الرجل، إلا أنها تعني الكثير لأولئك الذين يشاركون النادي بهجته في كل محطة ولا ينالهم الكثير من التقدير أو المال، وأعني أصحاب الوظائف الصغيرة بحسب الترتيب الهرمي للوظائف، والهيكل التنظيمي للعمل في مؤسسة رياضية، بمن فيهم موظفو الاستقبال ورجال الأمن، صورة النادي وحراسها، ممن يمضون الوقت في الهامش ويحظون من هذه الانجازات بحفنة ذكريات لا أكثر.

ما صنعه جوارديولا صاحب الثلاثية في هذا الموسم هو أنه وسع دائرة المساهمين في هذا الإنجاز، ولفت الأنظار إلى الأفعال الصغيرة التي تصوغ سؤال النجاح وجوابه، هنالك شركاء في النجاح جديرون بالمعرفة، وبالتكريم، وبتذكرهم حين يكتمل نصاب الفرح..حين تكون في المقدمة ينبغي أن لا ينسيك ذلك كل من ساهموا في هذه الخاتمة، حتى ولو كان حارس أمن يغفو معظم الوقت وهو يحرس بوابات الذهب، فهذا الأخير حضوره هو بمثابة حضور الأمن والسلامة والطمأنينة لمرتادي هذه الأندية.

لا أعلم إن كان هنالك ناد أو مدرب أو إداري يصنع ما صنعه جوارديولا، لكني أعلم بأن الكلام يطول عن معاناة العاملين في حراسة أو صيانة المرافق الرياضية عندنا، قد يبتسم لك رجل الأمن عند بوابة النادي، لكن ما إن تبادله أطراف الحديث حتى يعشوشب الهم في حديثه، يعلم الواحد منهم أنه يسند ظهره إلى وظيفة ليس لها دخل عال، لكنه في ذات الوقت يعلم بأنها كأي وظيفة لها راتب وله موعد استحقاق، وهو ما لا تعرفه هذه المهنة غالبا، حيث التأخير ديدن الشركات المشغلة كما يبدو، لن تدرك حجم المعاناة إلا حين يفتح لك الواحد منهم قلبه ويصف لك شهورا بلا مرتبات.

هذا ما يجعل من فعل جوارديولا جديرا بالتأمل، وبالاقتداء، أن لا ننسى في كل محطة من محطات الإنجاز هؤلاء الواقفين على حراسة الفرح، أن نتذكر شراكتهم في أحلامنا، وأن نغرف لهم من نهر العطاء غرفة، كلما وقفنا على تخوم نجاح جديد، فهم في متن هذه الانجازات، حين يستيقظون كل صباح ليفتحوا للناس بوابات الذهب، فإذا ما حاربهم الوقت، والحظ، والمرتب، صار واجبا علينا أن نهبهم وسائل للدفاع عن آمالهم، وأحلامهم، وأن نهبهم تفاسير جديدة لوجودهم في هذا المكان، فهم جزء من شكل المكان وصورته، كما أنهم جزء من أسوار نجاحاته العالية.